مصير شركة آبل بعد رحيل ستيف جوبز
مصير شركة آبل : رحل ستيف جوبز تاركا وراءه شركة في أوج النجاح وقمة التفاؤل، إلا أن اختلافات الرؤى دبّت من بعده بين جوني إيف مدير قسم التصميم وتيم كوك الرئيس التنفيذي، وقد أدى ذلك في النهاية إلى مغادرة إيف وتغيّر توجهات الشركة التي واصلت جني أرباح هائلة ولكن بأساليب معدلة.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز” (NewYork Times) الأميركية في هذا التقرير للكاتب كلاي شيركي إن “آبل” أطلقت خلال الفترة بين 2001 و2010 مجموعة من المنتجات غيّرت وجه سوق الأجهزة الإلكترونية في العالم، على غرار “آي بود” و”آيفون”، وحواسيب “ماك بوك آير”، والجهاز اللوحي “آي باد”.
ومن بين هذه المنتجات كان “آيفون” الأكثر أهمية، فتفوقه الواضح أجبر بقية الشركات التي تبيع الهواتف الغالية الثمن على تقليد تصميم آبل، أو مواجهة خطر الاندثار، وهو ما تعرضت له “نوكيا” و”بلاك بيري” و”بالم” على سبيل المثال.
ومصير شركة آبل وبحلول عام 2010 كانت “آبل” قد ختمت عشرية رائعة وحققت فيها أرقاما قياسية في تجديد الأجهزة على نحو يفوق أي شركة إلكترونيات أخرى، ولم يتكرر حتى في تاريخ الشركة نفسها.
ولكن مع مطلع 2011 توفي ستيف جوبز الشريك المؤسس لآبل الذي يوصف بأنه روح هذه الشركة، تاركا الأمور في يد الثنائي: جوني إيف المصمم والعالم المولود في بريطانيا، وتيم كوك الذي ترعرع في ألاباما وأصبح العقل المدبر وراء التصرف في سلاسل التزود وكلفة الإنتاج، هذا ما يشهده مصير شركة آبل .
وأصدر الكاتب ومراسل “نيويورك تايمز” تريب ميكل كتابا يحمل عنوان “بعد ستيف”، يغطي فيه مسيرة كل من إيف وكوك، وكيف تغير كلاهما وتغير وجه الشركة عبر السنوات.
هذا الكتاب يتابع تطور الشراكة بين إيف وكوك ثم نهايتها، وذلك بالاعتماد على أكثر من 200 مقابلة صحفية أجريت مع موظفين سابقين ومستشارين للشركة، إلى جانب المعلومات المتوفرة عن الشخصيتين.
وكان هذا هو الخيار الوحيد أمام مؤلف الكتاب، باعتبار أن مصير شركة آبل تسيطر عليها “ثقافة أومرتا” (قانون الصمت) المعروفة لدى عصابات المافيا، والتي تقضي بمنع التحدث مع الصحافة والأطراف الخارجية حتى عند وجود خلافات.
ويقول الكاتب إن كلا الرجلين أسهم في إنقاذ مصير شركة آبل من الغرق في التسعينيات، فقد انخرط إيف مبكرا في الإشراف على تصميم خط إنتاج جديد للحواسيب بألوان وأشكال مميزة، حتى إن جوبز حينئذ وصف ذلك الحاسوب بأنه “يبدو كأنه من كوكب آخر، كوكب جيد فيه مصممون أفضل”، وكانت تلك النقطة الفاصلة التي مكنت من إنقاذ “آبل”، وفتحت الباب أمام مزيد النمو.
وفي 1998 قرر جوبز تكليف كوك بإعادة هيكلة خطوط الإنتاج التي كانت تعاني من انعدام الكفاءة. هذا الرجل عمل سابقا مع شركة “كومباك”، وكان معروفا بأنه متطلب جدا ويركز على التفاصيل، وقام مباشرة برفع عدد عمليات مراقبة مراحل الإنتاج من 25 إلى 100 سنويا، وأوقع ضغوطا كبيرة على الموظفين.
كوك كان أيضا متطلبا وصعب المراس مع زملائه والمزوّدين الخارجيين، وكان يكتشف أبسط العيوب في المنتج، ويتحدث عن الأمر بكل جرأة، أو فظاظة في بعض الأحيان.
ولكن وفقا للكاتب، فإن هذا السعي وراء الكمال لم يكن كافيا لخلق منتج جديد عظيم، فبعد وفاة ستيف جوبز خيّمت سحب الشك والضبابية على “آبل”، وتساءل الجميع عن المنتج القادم الذي يسيطر على السوق.
وانقسمت الآراء بين مكننة المنازل، أو تطوير أجهزة الرعاية الطبية، أو السيارات الذاتية القيادة، أو أجهزة التلفزيون، أو السماعات. ولكن خلال الفترة المتبقية لإيف في مصير شركة آبل ، كان التركيز الأكثر لآبل على منتج واحد، هو ساعة آبل الذكية.
ويضيف الكاتب أن إيف يعدّ شخصية رئيسة في تصميم المنتجات على مدى سنوات، وقد كان وراء صرف أموال كثيرة على ساعة آبل التي كان يفترض أن تباع ضمن فئة المنتجات الفخمة، وكان يتزود بالجلد من أوروبا، ويستخدم فيها سبائك ذهب بعيار 18 قيراطا.
ولكن مع تطور الأحداث في الشركة، بات واضحا أن هذه الساعة لن تكون ثورة جديدة في عالم الإلكترونيات. ورغم خفض كلفة تصنيعها وثمنها، وكل الدعاية التي رافقتها، فإن هذه الساعات لم تحقق المبيعات المتوقعة، ودخلت الشركة في دوامة سلبية.
وخلال عمل إيف على هذا المشروع، كان كوك أيضا يواجه نصيبه من الصعوبات، فقد استدعي أمام الكونغرس للاستجواب بخصوص الضرائب، واضطر إلى الاعتذار على الأداء الضعيف لخرائط آبل، وكان المنافس هاتف سامسونغ “غلاكسي” يحقق صعودا مذهلا، وباتت شركة “شاينا موبايل” الصينية مهتمة ببيع هواتف آيفون.
ويرى مؤلف الكتاب أن مختلف النجاحات والصدمات التي شهدها مصير شركة آبل” أدت في النهاية إلى تحوّلها من شركة بنيت على نجاحات إيف في بداية الألفية إلى شركة تابعة تماما لكوك في العشرية الثانية، وتحوّلها من شركة تسعى وراء ابتكار جديد يحاكي الآيفون إلى شركة خدمات تحقق أرباحا متزايدة من خدمات رقمية متنوعة.
حينئذ أصبح إيف مهتما بفرص خارج آبل، مثل معارض المتاحف والمزادات الخيرية، وبات يعمل في “آبل” بدوام جزئي منذ بداية 2015، وبعد 4 سنوات قضاها بهذا النظام قرر في 2019 المغادرة النهائية.
ويرى المتابعون لأوضاع الشركة أن كلا الرجلين عانى من ضغوط كبيرة بسبب العجز عن إصدار منتج آخر بعظمة آيفون.
فالسيارات الذاتية القيادة كان تطويرها صعبا جدا، وقطاع المعدات الطبية كان خاضعا لقيود حكومية مشددة، والبث التلفزيوني كان أيضا خاضعا لقوانين حماية مشددة، أما السماعات والساعات فإنها منتجات هامشية لا ترتقي إلى حجم تطلعات الشركة.
ويرى مؤلف الكتاب أن ملخص هذه القصة يكمن في الخلافات المستمرة منذ رحيل ستيف جوبز بين الإستراتيجية والحظ، إذ إن الشركات أحيانا تصنع التاريخ ولكن ليس دائما بالطريقة التي تريدها هي.
وما حدث بعد رحيل جوبز هو اختلاف جوهري في الرؤى، فقد رأى كوك أن أهم فرصة لمستقبل “آبل” هي الخدمات، على غرار “آي كلاود” و”آبل ميوزيك” و”متج آبل”، وأنه يجب التأقلم مع هذا الواقع.
وفي المقابل، فإن إيف ظل يعيش في الماضي، ويبحث عن ابتكار جديد بعظمة آيفون، ويفكر في إدارة الشركة على طريقة ستيف جوبز، في وقت تغيرت فيه كل الظروف.